فى بيتى إمرأة 1

هل لى أن أساعدك فى شيء ؟

قالها بعد تردد وبعد أن تجاوزت الساعة الثالثة .. حيث أرتدت معطفها الجلدى ووقفت وبجانبها حقيبة متوسطة بالإضافة الى حقيبة يدها ..

منذ دخوله المقهى كان يراقبها حيث جلس فى مقعدة وفى مكانه المعتاد بعيد عن صخب البوابة وصوت مزلاج الباب الزجاجى عندما يفتح و يغلق كلما دخل مرتاد جديد أو غادر آخر .. كانت تجلس على طاولة قريبة من طاولته وجهها عربى بأنف حاد وعينين سوداوين وشعر أسود كثيف ينسدل على وجنتيها ويتدلى الى أن يغوص أسفل حافة الطاولة كلما أمالت رأسها للأمام .. لم يكن على طاولتها الكثير سوا فنجان قهوة وكتاب صغير ونظارة شمسية ذات برواز ابيض و زجاج أسود .

..كانت لا تنظر ولا تهتم بالاخرين بكل كانت مطرفة العينين بأتجاة النافذة و تتفقد جهازها

المحمول من وقت لآخر .. أحتسى قهوته والمشهد بالنسبة له عادى فقد كان الكثير موجودين غيرها

وتتكرر روؤية الناس اللذين يأتون على موعد ثم يجلسون مع من كان ينتظرهم و تتعالى الضحكات

من وقت لآخر فذلك المقهى مشهور ولا يقفل أبوابة مبكراً بل يستمر الى ساعات متأخرة من الليل .. أستقبل بعض المكالمات من أصدقائة وأخرج من جيبه حافظة صغيرة لكى يكتب بها الأشياء الخاصة به عن رحلته بعد أسبوعين الى خارج لندن ..

الوقت أقترب من الواحدة ليلاً وقد لاحظ أنها لم تتحرك من مكانها ولم تكن تنظر الى ساعتها مثل

أى أحداً ينتظر موعد.. لا يدرى كيف ولكن أحس بالرغبة فى التحدث اليها او تحيتها أو بالإيماءة اليها

برأسه ولكن كونه شرقى وهى ملامحها تنطق بجذورها الشرقية أحس بشيء من الخجل اللذى

مازال فى عروقة من عادات الشرقيين وأن التكلم مع الغريب غير مستحب بل ومحفوف بالمخاطر

وكيف و هو رجل وهى إمرأة .. ولكن فى هذا الجو اللندنى ملتقى الغرباء والإختلاط بكل الأجناس فلابد وإنها قد تحررت من بعض عقد الشرق مثل مخاطبة رجل أو عقدة اللقاء الأول .. أطفأ سيجارته

وهم بأن يقوم ويتوجه اليها مستجمعاً شجاعته ومبدداً لشكوك وهواجس أعتبرها تخلفاً فى مثل

هذا المكان .. ولكن خطر فى باله أسوأ الفروض من أن تظن إنه يعتبرها فريسة أو صيد وهو يعرف

حكايات كثيرة عن شرقيين لهم مواقف لا تسر الخاطر سمعها من صديقة سابقة له كانت تحكى له كيف أن بعض الصعاليك العرب كانوا يضايقونها بتطفلهم وكيف إنها كانت تصدهم بكلماتها المسمومة ..

أرخى ظهرة الى الوراء على مقعدة وتناول سيجارة أخرى بشكل عصبى وأشعلها ونظر اليها فتقابلت عينيها بعينيه .. ورأى فى عينيها دهشتها وكأنها تحتج على طريقة أشعالة لسيجارته و نفذه دخانها بقوة .. كانت شفتاها على وشك أن تنطق حتى إنه أحس إنه عاجز أن يفعل أى شيء وقد جائته الفرصة الى عنده .. استمرت تلك النظرة لمدة ثوان معدودة كان بأمكانه أن يبتسم أو يومأ برأسه ولكنه لم يفعل .قطع تلك الثوانِ المربكة حضور النادل لها كى يأخذ فنجان القهوة الفارغ و حديثها المقتضب معه حيث إنها طلبت كوب أخر من  الشيكولاه الساخنه (هوت شوكيليت  )..

الساعة الان تقارب الثانية ليلاً .. وزبائن المحل الان أصبحوا يعدون على الأصابع وهو ليس معتاداً أن يجلس كل هذا الوقت .. لم يرقب أى شيء فيها يوحى بأنها سوف تغادر فما زالت تضع يديها متشابكة أسفل ثنايا معطفها وتنظر الى الطاولة .. ثم فجأة أستدارت الى حقيقبها اللتى بجانبها ووضعت بها الكتاب ثم هبت واقفة ووضعت بعض النقود بجانب كوب المشروب وذهبت الى بوابة المقهى .. لم تتوارى عيناه عنها .. وحتى بعد ان خرجت الى الشارع كان يراقبها فهى هناك بجوار المقهى تنتظر تاكسى .. خرج بعض الزبائن من المقهى وبعد نصف ساعة بدأ هو يجمع أشياءة ولبرهة نسى أن ينظر الى حيث كانت تقف .. وبدأ المقهى يطفئ أنواره على إستحياء فهناك لا يطلبون من الزبائن المغادرة لانهم يريدون تنظيف الطاولات مثل عندنا فى الشرق .. جاءت منه نظرة اليها فلم يراها فعرف إنها قد ذهبت ولكنها تركت الكثير من الدوامات فى عقلة .. كان آخر الخارجين من المقهى وبعد أن حيا النادل لبس معطفه وخرج الى الشارع وأستعد لفتح مظلته حيث أن رذاذ المطر يزداد فى ذلك الوقت من الشتاء .. ما أن خطى خطوته الثانية حتى وجدها وقد أسندت ظهرها الى جدار المقهى

وحقيبتها على الأرض .. فى هذه اللحظات وبتلقائية الرجل اللندى قال لها ..هل لى أن أساعدك فى شيء ؟؟

----------------------------------- يتبع -----------------------------------------------------------

تنشر الأجزاء يوم الأثنين من كل إسبوع